بر الوالدين في حياة الصحابة

مواقف من حياة الصحابة في بر الوالدين

كان الصحابة رضي الله عنهم قدوة لنا في كل نواحي حياتهم، بما في ذلك بر الوالدين. فقد تعلموا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفية الإحسان إلى الوالدين وطاعتهما، وكانوا يطبقون هذه التعاليم بشكل عملي في حياتهم اليومية. في هذا المقال، نستعرض بعض المواقف التي أظهرت كيف كان الصحابة يعيشون البر والإحسان مع آبائهم وأمهاتهم، وهي دروس نستلهم منها كيفية معاملتنا مع والدينا في عصرنا الحالي.

1. موقف الصحابي عبد الله بن مسعود مع والدته

عبد الله بن مسعود رضي الله عنه هو أحد أعظم الصحابة الذين خدموا الإسلام بشجاعة وصدق. وكان له مواقف مشهورة في بر الوالدين، خاصة مع والدته. ففي إحدى المرات، بينما كان عبد الله بن مسعود في مكة، أسلمت والدته قبل أن يسلم هو. وعندما أسلم بن مسعود، حاول أن يبذل جهدًا كبيرًا لإقناع والدته بالدخول في الإسلام، ولكنها كانت ترفض بشدة وتقول: “يا بني، كيف يمكنني أن أترك دين آبائي وأجدادنا؟”

ومع ذلك، كان عبد الله بن مسعود يسعى لإرضاء والدته بكل ما أوتي من جهد. وعندما كانت والدته على فراش الموت، كان عبد الله يسعى بكل قلبه أن تخرج روحها وهي مؤمنة بالله ورسوله. وقد أُشِيرَ إلى تلك اللحظة في الحديث النبوي الشريف حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن من البر صلة المرأة في ذوي رحمها”.

2. موقف الصحابي أنس بن مالك مع والدته

أنس بن مالك رضي الله عنه كان خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يرافقه في معظم غزواته. إلا أن أنس كان يظهر برًا عظيمًا تجاه والدته، وكان يشهد لها بالتقوى والصدق.

وفي إحدى المرات، حين كان أنس بن مالك في غزوة أحد، ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: “يا رسول الله، هل أستطيع أن أذهب إلى أمي الآن؟” وكان قد شعر بقلق كبير بسبب أمه التي كانت مريضة. فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بأن يذهب إليها، وأعطاه دعاءً مميزًا بأن يرزقه الله طولة العمر والبركة في صحته. فكان أنس يردّد هذا الدعاء بكل حب وامتنان. هذه المواقف تبيّن كيف كان الصحابة يتحلّون بأعلى درجات البر والرحمة تجاه والدتهم، حتى في أصعب اللحظات.

3. موقف الصحابي عمر بن الخطاب مع أمه

أحد أبرز الصحابة الذين كانوا يحرصون على بر الوالدين هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فقد كان له موقف مشهود مع والدته، حين كان في مرحلة شبابه وكان عابس الوجه عن غير قصد في حضورها. فقالت له أمه: “يا بني، لمَ تكون هكذا معي؟” فتوقف عمر بن الخطاب عن الحديث وأخذ يشعر بحرج شديد. وعلى الرغم من شدة شخصيته في قضايا الأمة، إلا أنه كان يظهر في أبهى صورة من العطف والرقة مع والدته.

وكان يقول في ذلك: “ما دام أبي وأمي يعيشان، فإني لا أستطيع إلا أن أقدم كل ما في وسعي من البر والعطاء لهما.” وهذه كلمات كانت تحكي عن تعاليم النبي صلى الله عليه وسلم في بر الوالدين.

4. موقف الصحابي علي بن أبي طالب مع والدته

علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان مثالًا عظيمًا في بر الوالدين. ومن أبرز مواقفه هو تعاملُه الرقيق مع أمه، السيدة فاطمة بنت أسد. فقد كانت أمه أحد الأوائل الذين آمنوا برسالة الإسلام، وكانت حريصة على تقديم العون والمساعدة للمجاهدين من المسلمين.

في أحد الأيام، بعدما كُلف علي بن أبي طالب بمهمة معينة، سمع والدته فاطمة تدعوه قائلة: “يا بني، لا تنسى بر والدتك ما حييت.” ولم يكتفِ علي بن أبي طالب بالدعاء لها فحسب، بل كان دائمًا يحرص على زيارتها والاعتناء بها، إيمانًا منه بأهمية بر الوالدين كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم.

5. موقف الصحابي عبد الله بن عمر مع والده

عبد الله بن عمر رضي الله عنه كان دائمًا يولي أمه وأباه عناية خاصة، وكان يحب والده الخليفة عمر بن الخطاب حبًا شديدًا. ولكن هناك موقفًا فريدًا يظهر فيه مدى بره بأبيه، وهو عندما كان عبد الله بن عمر يرافق والده في رحلة للحج.

في أحد الأيام، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يمر بحالة تعب شديد بسبب شدة حرارة الطقس في الحج، فقال لابنه عبد الله: “يا بني، لقد تعبنا في الطريق، وأريد أن أستريح قليلاً”. فبادر عبد الله على الفور بجلب الطعام والماء له، ثم جلس بجانبه، يواسيه ويذكره بالله. لم يكن ابن عمر فقط يحرص على خدمة والده في حياتهما، بل كان أيضًا يحرص على أن يظل الدعاء والاستغفار له، حتى بعد وفاته.

6. موقف الصحابي أبو هريرة مع والدته

أبو هريرة رضي الله عنه كان له موقف فريد مع والدته عندما أسلم. فقد كان يحرص على دعوة والدته إلى الإسلام، لكنه كان يواجه صعوبة في إقناعها. وفي أحد الأيام، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: “يا رسول الله، أدعو أمي إلى الإسلام، ولكنها ترفض وتقول: لا أريد أن أترك دين آبائي.” فدعا النبي صلى الله عليه وسلم لأم أبي هريرة بأن يفتح الله قلبها للإيمان. ومرت الأيام، وفي يوم من الأيام، دخل أبو هريرة إلى بيته ليجد والدته قد أسلمت.

كان أبو هريرة لا يشعر بالسعادة إلا عندما وجد والدته قد استجابت لدعوة الإسلام. وقد بيّن هذا الموقف أن البر لا يقف عند طاعة الوالدين في الأمور الدنيا فحسب، بل يشمل أيضًا دعوتهما إلى الإسلام والعمل على هدايتهما.

7. موقف الصحابي سعد بن أبي وقاص مع والدته

سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه هو أحد الصحابة الذين برعوا في حرب الإسلام، لكن مواقفه مع والدته كانت مؤثرة أيضًا. ففي أحد الأيام، اجتمعت عدة مواقف في حياة سعد بن أبي وقاص، حيث كان يخدم والدته ويهتم بها في كل تفاصيل حياتها.

وعندما كان يتعرض سعد لبعض الضغوط في المعركة، كانت أمه تواسيه وتطلب منه دائمًا أن يكون على يقين بأن الله سيباركه في عمله. وفي أحد المواقف الخاصة، كان سعد بن أبي وقاص يصر على أن يحقق البر لوالدته، حتى أثناء الحرب.

الخاتمة

مواقف الصحابة في بر الوالدين تظل نموذجًا لنا جميعًا في كيفية التعامل مع آبائنا وأمهاتنا. كان الصحابة يعكسون الصورة المثلى للإحسان والتقدير، متبعين في ذلك تعاليم النبي صلى الله عليه وسلم. هؤلاء الرجال العظماء لم يقتصروا على الطاعة في الصلاة والجهاد فحسب، بل أيضًا في كل ما يتعلق بر الوالدين، وهو ما يعكس فهمهم العميق للإيمان.

لقد كان الصحابة يرون أن البر بالوالدين لا يتعلق فقط بالمعاملة الطيبة، بل يمتد ليشمل الدعاء لهما، والاعتناء بهما، والوقوف إلى جانبهما في كل الظروف. إن ما خلفه الصحابة من مواقف يمكن أن يكون أروع دروس في البر، تذكرنا دائمًا بضرورة الوفاء للوالدين والتعامل معهما بما يرضي الله ورسوله.